أسوأ أمراض النفس البشرية هو التدين الكاذب.. وهناك من يكذب فى دينه عن عمد، أى أنه يكذب ويعلم أنه يكذب ويستمر فى خداع الناس بإظهار التقوى والورع، ولا مانع من أن يضيف من تلقاء نفسه بعض المبالغات حتى لو كانت لا تتفق مع صحيح الدين، ولكن لأن الأمر كله خدعة متقنة وكذبة مفضوحة، فإن هذا النوع من التدين يتحول تلقائيًا إلى فسق وضلال وفجور، وهذا النوع من البشر يتواجد ويتكاثر فى القطاع الوظيفى، حيث إن إظهار التقوى والإيمان العلنى المبالغ فيه فى ظن البعض أنه يبعد عنهم الشبهات أو يمنحهم حصانة ضد أى اتهام.. هؤلاء إذا دخلت إلى مكاتبهم وأثناء عملهم وجدت شاشة التليفزيون وهى مثبتة على إحدى محطات القرآن الكريم والقارئ الشيخ مستمر فى التلاوة، ولكن دون إنصات أو تدبر لمعنى الآيات الكريمة، لأن المسؤول منصرف تمامًا إلى حديث تليفونى أو مناقشة أمر من أمور العمل، وليس هذا فقط، وإنما للآيات القرآنية والمختارة بعناية والمختارة معانيها بكل دقة إلى جانب سجادة الصلاة التى تحتل رأس مقعد فى مكان ظاهر، حيث يراها كل زائر مع الإكثار بالصلاة على رسول الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولكن عندما تأتى لحظة السقوط وهى دائمًا تأتى حتى لو تأخر قدومها نضرب كفًا بكف ونصرخ فى داخلنا «كل هذه التقوى وكل هذا الإيمان»، وفى النهاية نعرف أنه إما لص وفاسد أو مرتشٍ أو مزور، ومن عجائب الأمور وغرائبها أن نقرأ فى تحقيقات النيابة أو أحكام القضاء فى بعض القضايا التى تم الكشف عنها أن الرشوة تكون تكاليف رحلة حج أو عمرة، الأمر الذى يدل على استخدام المال الحرام حتى عندما يطلبون المغفرة أو التوبة من آثامهم السابقة.. وعليه وجدنا الساعى المتأسلم والموظف المتأسلم أو الموظفة المتأسلمة، وصولًا إلى الوزير المتأسلم والوزيرة المتأسلمة.. وكان من الطبيعى أن تخرج هذه الظاهرة لتضرب عمق المجتمع، فتشمل القطاع التجارى والصناعى، والكل يتسابق فى إظهار هذا التدين الكاذب، حتى صرنا لا نعرف من هو المسلم الحقيقى الملتزم بتعاليم الدين ويتقى الله فى كل أفعاله عن المسلم الكاذب الذى يعيش بالرذيلة والنفاق وخداع الناس، هؤلاء يفسدون علينا الدين ذاته ويجرحون قدسيته، وعلينا أن نتخلص منهم.